السلام عليكم أخي الكريم،،، عندي سؤال في المعاملات المالية:
أحد الشباب يطور تطبيقاً يقوم بفهرسة ملاعب الكرة الجاهزة للحجز، و يقوم اللاعبون بالحجز عن طريق التطبيق مسبقاً، ثم الذهاب في الموعد للمباراة.
قمنا بالبحث عن طرق كثيرة لتسهيل عملية الدفع و البعد عن الحاجة إلى الدفع بوسائل الدفع الإلكترونية لأنها غير متوفرة في مصر، و الحمد لله تمكنا من التوصل إلى حلول تبعدنا عن البنوك و (فوري) و أشباهها.
لتسهيل الأمر على اللاعبين سيكون العمل كما يلي:
عند رغبة اللاعبون في الحجز، يقوم أحدهم بوضع مبلغ يساوي قيمة العربون فقط بالإضافة إلى 3% نسبة عمولة التطبيق مقابل خدمة تسهيل الحجز، هذا المبلغ سيبقى في رصيد اللاعب طول الوقت.
عند موعد المباراة، من المفترض أن يصل اللاعب إلى الملعب و يدفع 100% من قيمة الحجز لصاحب الملعب، و بهذه الطريقة، سيبقى العربون في رصيده على التطبيق،و تتحول قيمة العربون إلى ضمانة فقط.
في حالة قيام اللاعب بالحجز، ثم في يوم المباراة لم يحضر، تخصم قيمة العربون من رصيده و تعطى لصاحب الملعب.
و في حالة احتفظ اللاعب برصيده (العربون) هذا طول الوقت، سيمكنه دائما الحجز مقدماً في أي ملعب مادام ملتزماً بالحضور و سداد كامل الحجز في موعده، و بهذا نسهل على كل اللاعبين الحجز المسبق دون الحاجة إلى الدفع في كل مرة مقدما، أو زيارة الملعب مرة للحجز ثم مرة للعب.
السؤال:
– ما هي شرعية ال3% عمولة خدمة الحجز؟
– ما هو توصيف الارصدة المحجوزة و التي في حقيقتها تأمين أو ضمان في حالة عدم حضور اللاعب يوم المباراة المحجوزة، هل هي أمانة؟ أم لها وصف آخر؟ و هي يجوز للتطبيق التصرف في هذه الأموال المحجوزة لحين طلبها؟
الجواب:
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته،،،
هذا سؤال جيد و هو ينمُ عن رغبة صادقة في تحري أكل الحلال و تجنب الشبهات و المحرمات ، و هذا مما أمر الله به المرسلين، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) – سورة المؤمنون اية 51 ، و في صحيح مسلم (2393) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين…” الحديث.
و للإجابة التفصيلة عن هذا السؤال، يمكن تقسيم السؤال لعدة أسئلة، كما يلي:
ما هي العلاقات المُتصورة بين أطراف هذه المعاملة؟
ما حكم العمولة (السمسرة) بالنسبة المئوية من قيمة العقد؟
ما التكييف الفقهي للمبلغ المحجوز من مستأجر الملعب، و ما أحكامه الفقهية؟
ما حكم تأجير ملعب كرة القدم؟
و أشرع في الإجابة بحول الله و قوته، فأقول مستعيناً بالله راجياً منه السداد:
ما هي العلاقات المُتصورة بين أطراف هذه المعاملة؟
يُمكن تصور أطراف هذه المعاملة فيكونُ لدينا ثلاثة أطراف:
(مالك الملعب): و هو الذي يملك أرض ملعب كرة القدم المراد تأجيره، أو يملك منفعة تأجيره للغير.
(مستأجر الملعب): و هو الشخص الذي يقوم باستئجار الملعب عن طريق التطبيق.
(إدارة التطبيق): و هم إدارة التطبيق القائمون على توصيل (مالك الملعب) ب(مستأجر الملعب)
و يمكن تكييف العلاقات بينهم كالتالي:
العلاقة بين (مالك الملعب) و (مستأجر الملعب) :
هي عقد إجارة منافع، يدفع (مستأجر الملعب) ل(مالك الملعب) مبلغاً معيناً معلوماً لكل ساعة من شَغل أرض الملعب.
العلاقة بين (مالك الملعب) و (إدارة التطبيق) : علاقتان
العلاقة الأولى: هي عقد جعالة، و الجُعل (العِوض) هو نسبة مئوية معلومة من إيجار الملعب، فكأن (مالك الملعب) قد قال ل(إدارة التطبيق): إن وجدتم من يؤجر الملعب فلكم هذا الأجر المتفق عليه، و إن لم تجدوا فليس لكم شيئاً، فلا يلزم (مالك الملعب) دفع شيء ل(إدارة التطبيق) ما لم يوفر التطبيق له عقد الإيجار، و يلزم (مالك الملعب) دفع الجُعل المتفق عليه عند إجارة الملعب.
العلاقة الثانية: هي عقد وكالة، يوكل فيها (مالك الملعب) (إدارة التطبيق) بقبض و حفظ (رهن هامش الضمان و الجدية) كما سيأتي تفصيله.
العلاقة بين (مستأجر الملعب) و (إدارة التطبيق) :
كذلك هي عقد جعالة، و الجعل (العِوض) هو نسبة مئوية معلومة من إيجار الملعب، فكأن (مستأجر الملعب) قد قال ل(إدارة التطبيق): إن وجدتم لي ملعباً (في هذا المكان و هذه الساعة) فلكم هذه النسبة المئوية من الأجر المتفق عليه، و إن لم تجدوا فليس لكم شيئاً، فلا يلزم (مستأجر الملعب) دفع شيء ل(إدارة التطبيق) ما لم يوفر التطبيق له ملعباً للإيجار، و يلزم (مستأجر الملعب) دفع الجعل عند إجارة الملعب.
ما حكم العمولة (السمسرة) بالنسبة المئوية من قيمة العقد؟
و (إدارة التطبيق) في العلاقتين ستمارس عمل السمسرة بعمولة، فهم سيصلون المشتري بالبائع، و أجرتهم (عمولتهم) نسبة من قيمة العقد، من أحدهما أو كليهما، و قد أجاز الجمهور السمسرة بمبلغ مقطوع و منعوها بالنسبة المئوية لجهالة الأجر، و قد أجازها بالنسبة المئوية الحنابلة و بعض المالكية، و الراجح عندي من الخلاف: جواز السمسرة بالنسبة المئوية لأنها تؤول إلى العلم بالجُعل فتنتفي الجهالة، و كذلك لحاجة الناس إلى التقدير بالنسبة المئوية و حصول الضرر و المشقة بدونها.
ما التكييف الفقهي للمبلغ المحجوز من مستأجر الملعب، و ما أحكامه الفقهية؟
و أما المبلغ المحجوز في ضمان جدية (مستأجر الملعب) و لدفع أجرة (مالك الملعب) في حالة تخلف (مستأجر الملعب) عن الحضور، فتكييف هذا المبلغ عندي هو ما يُعرف ب(هامش الضمان و الجدّية)* فهو في حكم الرهن بغرض الاستيثاق لما قد يلحق (مالك الملعب) من ضرر بسبب نكول مستأجر الملعب عن الحضور، فيستوفي أجرته المتفق عليها من (هامش الضمان و الجدّية) ، و لا يحل لمالك الملعب أن يستوفي من هذا الهامش أكثر من الإيجار المتفق عليه، و إن عفا عن الأجرة فأنه يؤجر على ذلك ديانةً و إن استوفى حقه فهو غير ملوم.
و بما أن هذا المبلغ يعتبر (رهناً) فالأصل أن يكون في يد المُؤجر (مالك الملعب) ، و بما أن (إدارة التطبيق) ستحتفظ بهذه المبالغ وكالة عن ملاك الملاعب عند كل عملية حجز للملعب، فمبلغ (هامش الضمان و الجدية) يعتبر أمانة في أيدي (إدارة التطبيق) بهذا الاعتبار، و كذلك يعتبر المبلغ ديناً في ذمة (إدارة التطبيق) باعتبار أخر…
فعند تسجيل (مستأجر الملعب) مع (إدارة التطبيق) و يقوم بدفع (هامش الضمان و الجدية)، فإن هذا المبلغ يكون ديناً في ذمة (إدارة التطبيق) ، و عند قيام (مستأجر الملعب) بحجز و إجارة أحد الملاعب فإن ما يعادل مبلغ هذا الإيجار من مبلغ (هامش الضمان و الجدية) يصير رهناً في يد (إدارة التطبيق) ، فإذا أتم (مستأجر الملعب) الإيجار و دفع كامل المبلغ في الملعب ل(مالك الملعب) ، يعود مبلغ (هامش الضمان و الجدية) ديناً في ذمة (إدارة التطبيق)…
و على ذلك يمكن ل(إدارة التطبيق) التصرف في المبلغ كما يتصرف المرء في ماله، ولكنهم يضمنون رده عند استحقاقه، فهم ملزمون برده ل(مستأجر الملعب) إذا أراد استرداده، و كذلك ملزمون بدفعه ل(مالك الملعب) إن استحقه بسب نكول (مستأجر الملعب) عن الحضور.
و يردُ على هذا السؤال عن زكاة مبلغ (هامش الضمان و الجدية) ، يحتسبُ ضمن الوعاء الزكوي لمن من هذه الأطراف؟
زكاة (هامش الضمان و الجدية) تكون على المشتري لأنه يملك هذا المبلغ، و إنما هو أمانة عند البائع أو وكيله و هم لا يملكوه، و شرط الزكاة الملك كما هو معلوم ، وإذا مر على هامش الضمان و الجدية سنوات فإنه يُزكى لسنة واحدة إذا أعيد لصاحبه… و انظر قرار رقم (143) من مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بشأن زكاة الحسابات المقيدة.
ما حكم تأجير ملعب كرة القدم؟
الإجارة هي بيع المنافع، و المنفعة من تأجير ملاعب كرة القدم هي ممارسة الرياضة، و هي منفعة مباحة، لذلك يجوز إجارة أرض الملعب بغرض استيفاء منفعة الرياضة، و على ذلك إن قام جماعة من هواة لعب كرة القدم بإيجار الملعب لمجرد الرياضة فلا بأس في ذلك.
إلا أن المحظور الأكبر في ممارسة لعبة كرة القدم، هو المعاوضة (المسابقة) على جائزة أو مبلغ من المال، فإن قام جماعة من هواة لعب كرة القدم باستئجار الملعب من أجل المسابقة على جائزة مقدمة من أحد الطرفين او من طرف ثالث، فقد ارتكبوا محظوراً شرعياً، و ذلك لما رواه أهل السنن مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
«لَا سَبَقَ إِلَّا فِي خُفٍّ أَوْ فِي حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ»
الحديث أخرجه أبو داود في «الجهاد» بابٌ في السَّبَق (٢٥٧٤)، والترمذيُّ في «الجهاد» بابُ ما جاء في الرِّهان والسَّبَق (١٧٠٠)، والنسائيُّ في «الخيل» باب السَّبَق (٣٥٨٥، ٣٥٨٦، ٣٥٨٧، ٣٥٨٩)، وابنُ ماجه في «الجهاد» باب السَّبق والرِّهان (٢٨٧٨)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (١٥٠٦) و«صحيح الجامع» (٧٤٩٨).
قال الإمام الخطابي رحمه الله تعالى في كتاب “معالم السنن” شرح سنن أبي داود؛ عند شرح هذا الحديث:
” السبق بفتح الباء هو ما يجعل للسابق على سبقه من جعل أو نوال، فأما السبق بسكون الباء فهو مصدر سبقت الرجل أسبقه سبقاً، والرواية الصحيحة في هذا الحديث السبق مفتوحة الباء.
يريد أن الجعل والعطاء لا يستحق إلاّ في سباق الخيل والإبل وما في معناهما، وفي النصل وهو الرمي وذلك لأن هذه الأمور عدة في قتال العدو وفي وبذل الجعل عليها ترغيب في الجهاد وتحريض عليه.
ويدخل في معنى الخيل البغال والحمير لأنها كلها ذوات حوافر وقد يحتاج إلى سرعة سيرها ونجائها لأنها تحمل أثقال العساكر وتكون معها في المغازي.
وأما السباق بالطير والزجل بالحمام وما يدخل في معناه مما ليس من عدة الحرب ولا من باب القوة على الجهاد فأخذ السبق عليه قمار محظور لا يجوز.”
قلتُ: و بناء على ذلك فأن أخذ السبق (الجائزة) على مسابقات كرة القدم لا يجوز شرعاً، فهو ليس في معنى المنصوص، و “ليس من عدة الحرب ولا من باب القوة على الجهاد فأخذ السبق عليه قمار محظور لا يجوز.”
و قد قسم أهل العلم المسابقات من حيث بذل العوض ثلاثة أقسام :
القسم الأول:ما تجوز المسابقة فيه بعوض وبدون عوض، وهو المسابقة في السهام، والإبل والخيل.
القسم الثاني: ما لا تجوز المسابقة فيه مطلقاً، وهو المسابقة في كل شيء أدخل في محرم أو ألهى عن واجب.
القسم الثالث: ما تجوز المسابقة فيه بدون عوض، وهو المسابقة في كل ما فيه منفعة ولا مضرة فيه راجحة، وهذا القسم لا يجوز بذل العوض فيه مطلقاً، سواء كان المتسابقين،أو من أحدهما،أو من (طرف ثالث)
و على ذلك فإن إجارة الملعب لمن يريد مطلق الرياضة و اللعب فهو جائز شرعاً لا بأس به، أما إجارة الملعب لمن يقيم المسابقات على جائزة مالية، فهي لا تجوز شرعاً، لأن هذه الإجارة من باب التعاون على الإثم و العدوان، و إن كانت الإجارة تقع صحيحة نافذة من حيث العقد – لأن المحظور (و هو التسابق غير المشروع) أمر خارج عن أركان العقد- إلا أنها إجارة صحيحة مع الإثم.
و في الواقع العملي، فإن (إدارة التطبيق) لا يمكنها التأكد من كل معاملة هل هي مسابقة أم لا، فيمكنهم إضافة بند في شروط استخدام التطبيق ينبه المستأجر على الحكم الشرعي لمسابقات الكرة على جائزة مالية.
و إلى هنا أضع قلم الجواب، راجياً من الله السداد، و أن يعلمنا ما ينفعنا و ينفعنا بما علمنا، و صل اللهم و سلم على محمد وعلى آله و صحبه و التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
هاني حلمي
الهامش:
* قد وقع في ظني أن هذا المبلغ هو عربون ، ثم عند التدقيق تبين لي فروقٌ بين العربون و هامش الضمان و الجدية، و من تلك الفروق:
(1) أن العربون جزء من الثمن، فإن تمت الصفقة أكمل المشتري الثمن، و إن لم تتم الصفقة أخذ البائع العربون، بينما هامش الجدية و الضمان فهو يغطي كامل الثمن أو (الإيجار) في حال نكول المشري أو (المستأجر) عن البيع، فهامش الضمان و الجدية هو إما لجبر الضرر الفعلي المترتب على البائع نتيجة نكول المشتري، أو لاستيفاء كامل الثمن.
(2) يستحق البائع مقابل الضرر الفعلي أو الثمن المتفق عليه فقط و يخصم من هامش الضمان و الجدية، و إن تبقى شيء بعد ذلك فهو للمشتري، أما العربون فيستحقه البائع بالكامل.
(3) العربون يكون بعد إبرام العقد، أما هامش الضمان و الجدية يكون قبل إبرام العقد.
(4) هامش الجدية أمانة عند البائع لعدم وجود العقد، أما العربون فهو جزء من الثمن فيدخل في ملك البائع.
(5) زكاة هامش الضمان و الجدية تكون على المشتري لأنه يملك هذا المبلغ، و إنما هو أمانة عند البائع أو وكيله و هم لا يملكوه، و شرط الزكاة الملك كما هو معلوم ، وإذا مر على هامش الضمان و الجدية سنوات فإنه يُزكى لسنة واحدة إذا أعيد لصاحبه، أما العربون فزكاته تكون على البائع لأن العربون قد دخل في ملكه، سواء فسخ المشتري العقد أو أمضاه. و انظر قرار رقم (143) من مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بشأن زكاة الحسابات المقيدة…
و الله أعلم،