مختارات من شعر طَرَفَة بن العَبد…!

طَرَفَة بن العبد بن سفيان بن سعد، أبو عمرو، البكري الوائلي.

شاعر جاهلي من الطبقة الأولى، كان هجاءاً غير فاحش القول، تفيض الحكمة على لسانه في أكثر شعره، ولد في بادية البحرين وتنقل في بقاع نجد. اتصل بالملك عمرو بن هند فجعله في ندمائه، ثم أرسله بكتاب إلى المكعبر عامله على البحرين وعُمان يأمره فيه بقتله، لأبيات بلغ الملك أن طرفة هجاه بها، فقتله المكعبر شاباً.

وذكر ابن قتيبة في الشعر والشعراء أن ليس عند الرّواة من شعره  إلّا القليل، وسمّى طَرَفَة ببيت قاله، وكان أحدث الشعراء سنّا وأقلّهم عمرا، قتل وهو ابن عشرين سنة، فيقال له «ابن العشرين».

وعد ابن سلام الجمحي طَرَفَة من الطبقة الرابعة كما في طبقات فحول الشعراء، قال: “وهم أَرْبَعَة رَهْط فحول شعراء موضعهم مَعَ الْأَوَائِل وَإِنَّمَا أخل بهم قلَّة شعرهم بأيدى الروَاة…فَأَما طرفَة فأشعر النَّاس وَاحِدَة وهى قَوْله (لخولة أطلال ببرقة ثهمد … وقفت بهَا أبكى وأبكى إِلَى الْغَد)…” وهي معلقته المشهورة في العشر.

وهذه أبيات انتقيتها من شعره، انتقيت أعذبها لفظاً وأنبلها معنىً، وما يصلح أن يكون مثلاً أو يستشهد به، وضربتُ الذكر صفحاً عن الوحشي، وغالى المدح والهجاء، والتزمت شرط طرفه قدر الوسع إذ قال:

وَإِنَّ أَحـسَــنَ بَـيــتٍ أَنتَ قائِلُهُ
بَيـتٌ يُقـالُ إِذا أَنشَـدتَهُ صَدَقا

وهاكم الأبيات المختارة:


كان أبو طرفة مات وطرفة صغير، فأبى أعمامه أن يقسموا ماله، ووردة اسم أمه، فقال:

ما تَنـظُـرونَ بِحَـقِّ وَردَةَ فيـكُمُ
صَغُـرَ البَنـونَ وَرَهطُ وَردَةَ غُيَّبُ

قَد يَبعَثُ الأَمرَ العَظيمَ صَغيرُهُ
حَـتّــى تَـظَـلَّ لَهُ الدِماءُ تَصَـبَّبُ

وَالظُـلمُ فَـرَّقَ بَيـنَ حَيَّيـ وائِلٍ
بَكـرٌ تُسـاقـيـها المَنايا تَغلِبُ

قَد يورِدُ الظُلمُ المُبَيَّنُ آجِناً
مِلحـاً يُخـالَطُ بِالذُعـافِ وَيُقشَبُ

وَقِرافُ مَن لا يَسـتَـفـيقُ دَعارَةً
يُعدي كَما يُعدي الصَحيحَ الأَجرَبُ

وَالإِثـمُ داءٌ لَيسَ يُرجـى بُرؤُهُ
وَالبِـرُّ بُـرءٌ لَيسَ فيـهِ مَعـطَـبُ

وَالصِدقُ يَألَفُهُ الكَريمُ المُرتَجى
وَالكِذبُ يَألَفَهُ الدَنيءُ الأَخيَبُ

وَلَقَـد بَدا لِيَ أَنَّهُ سَيَـغـولُنـي
ما غالَ عاداً وَالقُرونَ فَأَشعَبوا

أَدّوا الحُقوقَ تَفِر لَكُم أَعراضُكُم
إِنَّ الكَـريـمَ إِذا يُحَـرَّبُ يَغـضَـبُ


وقال:

فَـكَـيـفَ يُرَجّـي المَرءُ دَهراً مُخَـلَّداً
وَأَعـمــالُهُ عَـمّــا قَـليــلٍ تُـحـاسِـبُه


وقال:

كُـلُّ خَـليــلٍ كُـنـتُ خالَلتُهُ
لا تَــرَكَ اللَهُ لَهُ واضِــحَه

كُــلُّهُـــمُ أَروَغُ مِـن ثَـعــلَبٍ
ما أَشبَهَ اللَيلَةَ بِالبارِحَه


وقال:

خَليلَيَّ لا وَاللَهِ ما القَلبُ سالِمٌ
وَإِن ظَهَـرَت مِـنّــي شَـمــائِلُ صـاحِ

وَإِلّا فَما بالي وَلَم أَشهَدِ الوَغى
أَبـيــتُ كَـأَنّــي مُـثــقَــلٌ بِجِـراحِ


ومن الأبيات الرائقة من مٌعلقته  لِخَــولَةَ أَطــلالٌ بِــبُـــرقَــةِ ثَهـمَــدِ:

وَوَجـهٌ كَـأَنَّ الشَـمــسَ حَـلَّت رِدائَهـا
عَــلَيـــهِ نَـقِــيُّ اللَونِ لَم يَـتَــخَــدَّدِ

وقال في معلقته:

إِذا القَومُ قالوا مَن فَتىً خِلتُ أَنَّني
عُـنــيــتُ فَـلَم أَكـسَــل وَلَم أَتَـبَــلَّدِ

وقال فيها:

أَلا أَيُّهـَذا اللائِمي أَحضُـرَ الوَغى
وَأَن أَشهَـدَ اللَذّاتِ هَل أَنتَ مُخـلِدي

فَإِن كُنـتَ لا تَسـطـيـعُ دَفعَ مَنـيَّتي
فَدَعـنـي أُبادِرهـا بِمـا مَلَكَـت يَدي

وقال فيها:

أَرى المَوتَ يَعـتـامُ الكِرامَ وَيَصطَفي
عَـقــيــلَةَ مـالِ الفـاحِـشِ المُتَـشَـدِّدِ

أَرى العَيـشَ كَنـزاً ناقِـصاً كُلَّ لَيلَةٍ
وَما تَنـقُـصِ الأَيّامُ وَالدَهرُ يَنـفَدِ

لَعَمـرُكَ إِنَّ المَوتَ ما أَخطَـأَ الفَتى
لَكَالطِـوَلِ المُرخـى وَثِنـيـاهُ بِاليَدِ

وقال فيها:

فَمـا لي أَراني وَاِبنَ عَمِّيـَ مالِكـاً
مَـتـى أَدنُ مِنـهُ يَنـأَ عَنّـي وَيَبـعُـدِ

يَـلومُ وَمـا أَدري عَـلامَ يَـلومُــنــي
كَمـا لامَنـي في الحَيِّ قُرطُ بنُ مَعبَدِ

وَأَيـأَسَــنــي مِـن كُـلِّ خَـيــرٍ طَلَبـتُهُ
كَـأَنّــا وَضَـعــنــاهُ إِلى رَمـسِ مُلحَـدِ

عَـلى غَـيــرِ ذَنـبٍ قُلتُهُ غَيـرَ أَنَّني
نَـشَــدتُ فَـلَم أُغـفِـل حَمـولَةَ مَعـبَـدِ

وقال كذلك:

وَظُـلمُ ذَوي القُـربــى أَشَـدُّ مَـضـاضَـةً
عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ

وقال كذلك:

لَعَــمـــرُكَ مــا أَمــري عَـلَيَّ بِـغُــمَّةٍ
نَهــاري وَلا لَيــلي عَـلَيَّ بِـسَــرمَــدِ

وأخر أبيات معلقته:

سَتُـبـدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلاً
وَيَـأتــيـكَ بِالأَخـبـارِ مَن لَم تُزَوِّدِ

وَيَأتـيـكَ بِالأَخـبـارِ مَن لَم تَبِع لَهُ
بَـتــاتـاً وَلَم تَضـرِب لَهُ وَقتَ مَوعِـدِ

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استراث (أي: أبطأ) عليه الخبر تمثل بقول طرفة وَيَـأتــيـكَ بِالأَخـبـارِ مَن لَم تُزَوِّدِ ، كما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها عند أحمد في المسند برقم 24026 و 25134 بأسنايد يشد بعضها بعضها، فهو حسن لغيره.


وقال:
إِذا شـاءَ يَـومــاً قـادَهُ بِـزِمــامِهِ
وَمَن يَكُ في حَبـلِ المَنـيَّةـِ يَنـقَدِ

إِذا أَنـتَ لَم تَـنــفَـع بِوِدِّكَ قُربَـةً
وَلَم تَنـكِ بِالبُـؤسـى عَدوَّكَ فَاِبـعَدِ

أَرى المَوتَ لا يُرعي عَلى ذي قَرابَةٍ
وَإِن كانَ في الدُنيا عَزيزاً بِمَقعَدِ

وَلا خَيـرَ في خَيرٍ تَرى الشَرَّ دونَهُ
وَلا قـائِلٍ يَـأتــيـكَ بَعـدَ التَلَدُّدِ

لَعَـمــرُكَ مـا الأَيـامُ إِلّا مُعـارَةٌ
فَمـا اِسطَـعـتَ مِن مَعـروفِها فَتَزَوَّدِ

عَنِ المَرءِ لا تَسأَل وَسَل عَن قَرينَهُ
فَـكُــلُّ قَـريــنٍ بِالمُـقـارِنِ يَقـتَـدي


وأنشد:

الخَيرُ خَيرٌ وَإِن طالَ الزَمانُ بِهِ
وَالشَرُّ أَخبَثُ ما أَوعَيتَ مِن زادِ


وقيل أن أول ما أنشد من الشعر:

يـا لَكِ مِـن قُـبَّرَةٍ بِـمَــعــمَــرِ
خَلا لَكِ الجَوَّ فَبـيضي وَاِصفِري

قَد رُفِعَ الفَخُّ فَمـاذا تَحذَري
وَنَـقِّري مـا شِـئتِ أَن تُـنَــقَّري

قَد ذَهَبَ الصَيّـادُ عَنكِ فَاِبشِري
لا بُدَّ يَوماً أَن تُصادي فَاِصبِري


وأنشد:

وَلَقَـــد تَـــعـــلَمُ بَــكـــرٌ أَنَّنــا
آفَـةُ الجُـزرِ مَـســامــيــحٌ يُـسُــر

وَلَقَـــد تَـــعـــلَمُ بَــكـــرٌ أَنَّنــا
واضِـحـو الأَوجُهِ في الأَزمَةِ غُر

وَلَقَـــد تَـــعـــلَمُ بَــكـــرٌ أَنَّنــا
فـاضِــلو الرَأيِ وَفي الرَوعِ وُقُر

وَلَقَـــد تَـــعـــلَمُ بَــكـــرٌ أَنَّنــا
صادِقـو البَأسِ وَفي المَحـفِلِ غُر

يَـكــشِــفــونَ الضُرَّ عَن ذي ضُرِّهِـم
وَيُـبِــرّونَ عَـلى الآبـي المُـبِــر

فُــضُـــلٌ أَحـلامُهُــم عَـن جـارِهِــم
رُحُــبُ الأَذرُعِ بِــالخَـــيـــرِ أُمُـر

إلى أن قال:

كُـنــتُ فـيــكُــم كَالمُـغَـطّـي رَأسَهُ
فَـاِنـجَـلى اليَومَ قِنـاعـي وَخُمُـر

وَلَقَـد كُـنــتُ عَـلَيــكُــم عـاتِـبـاً
فَـعَــقَــبــتُــم بِـذُنــوبٍ غَـيـرِ مُر

ســادِراً أَحــسَـــبُ غَــيِّيـــ رَشَــداً
فَـتَــنــاهَــيــتُ وَقَـد صابَـت بِقُـر


وقال:

خـالِطِ النـاسَ بِـخُــلقٍ واسِـعٍ
لا تَكُن كَلباً عَلى الناسِ تَهِر


ومن الحكمة قوله:

إِذا كُنـتَ في حاجَةٍ مُرسِلاً
فَأَرسِـل حَكـيماً وَلا توصِهِ

وَإِن ناصِـحٌ مِنكَ يَوماً دَنا
فَلا تَنـأَ عَنهُ وَلا تُقصِهِ

وَإِن بابُ أَمرٍ عَلَيكَ اِلتَوى
فَشـاوِر لَبيـباً وَلا تَعصِهِ

وَذو الحَقِّ لا تَنتَقِص حَقَّهُ
فَإِنَّ القَطـيـعَـةَ في نَقصِهِ

وَلا تَذكُرِ الدَهرَ في مَجلِسٍ
حَديـثاً إِذا أَنتَ لَم تُحصِهِ

وَنُـصَّ الحَـديـثَ إِلى أَهلِهِ
فَـإِنَّ الوَثـيـقَـةَ في نَصِّهِ

وَلا تَـحــرِصَــنَّ فَرُبَّ اِمرِئٍ
حَـريــصٍ مُضـاعٍ عَلى حِرصِهِ

وَكَم مِن فَتـىً ساقِطٍ عَقلُهُ
وَقَد يُعجَبُ الناسُ مِن شَخصِهِ

وَآخَـرَ تَـحــسِــبُهُ أَنـوَكــاً
وَيَأتـيـكَ بِالأَمرِ مِن فَصِّهِ

لَبِسـتُ اللَيالي فَأَفنَينَني
وَسَربَـلَني الدَهرُ في قُمصِهِ


وأنشد:

أَبا مُنـذِرٍ كانَـت غَروراً صَحـيفَتي
وَلَم أُعطِكُم بِالطَوعِ مالي وَلا عِرضي

أَبا مُنـذِرٍ أَفنَـيـتَ فَاِستَبقِ بَعضَنا
حَنـانَـيـكَ بَعـضُ الشَرِّ أَهوَنَ مِن بَعضِ

فَأَقـسَـمـتُ عِنـدَ النُصـبِ إِنّي لَهالِكٌ
بِـمُـلتَـفَّةـٍ لَيسَـت بِغَـبـطٍ وَلا خَفـضِ

خُذوا حِذرَكُـم أَهلَ المُشَقَّرِ وَالصَفا
عَبيدَ اِسبُذٍ وَالقَرضُ يُجزى مِنَ القَرضِ


وأنشد:

وَلا أُغيرُ عَلى الأَشعارِ أَسرِقُها
عَنها غَنيتُ وَشَرُّ الناسِ مَن سَرقا

وَإِنَّ أَحـسَــنَ بَـيــتٍ أَنتَ قائِلُهُ
بَيـتٌ يُقـالُ إِذا أَنشَـدتَهُ صَدَقا


وقال:

وَنَفسَكَ فَاِنعَ وَلا تَنعَني
وَداوِ الكُلومَ وَلا تُبرِقِ


وقال:

قِفي وَدِّعينا اليَومَ يا اِبنَةَ مالِكِ
وَعوجـي عَلَيـنـا مِن صُدورِ جِمالِكِ

قِفـي لا يَكُـن هَذا تَعِـلَّةَ وَصلِنا
لِبَـيــنٍ وَلا ذا حَظُّنـا مِن نَوالِكِ

أُخَـبِّركِ أَنَّ الحَـيَّ فَـرَّقَ بَـيــنَهُــم
نَــوى غُــربَـــةٍ ضَــرّارَةٍ لي كَـذَلِكِ

وَلَم يُنـسِـنـي ما قَد لَقيتُ وَشَفَّني
مِنَ الوَجدِ أَنّي غَيـرُ ناسٍ لِقاءَكِ


وقال في الغزل:

لَهــا كَــبِـــدٌ مَــلســاءُ ذاتُ أَسِـرَّةٍ
وَكَشـحـانِ لَم يَنقُض طِوائُهُما الحَبَل

إِذا قُلتُ هَل يَسـلو اللُبانَةَ عاشِقٌ
تَمُـرُّ شُؤونُ الحُبِّ مِن خَولَةَ الأَوَل

وَمـا زادَكَ الشَـكــوى إِلى مُـتَـنَـكِّرٍ
تَـظَــلُّ بِهِ تَـبــكــي وَلَيـسَ بِهِ مَظَـل

مَتـى تَرَ يَومـاً عَرصَـةً مِن دِيارِها
وَلَو فَرطَ حَولٍ تَسجُمُ العَينُ أَو تُهَل

فَـقُـل لِخَيـالِ الحَنـظَـليَّةـِ يَنـقَـلِب
إِلَيهـا فَإِنّـي واصِلٌ حَبـلَ مَن وَصَل

أَلا إِنَّمـا أَبـكــي لِيَـومٍ لَقـيــتُهُ
بِـجُــرثُــمَ قاسٍ كُلُّ ما بَعـدَهُ جَلَل

إِذا جاءَ ما لا بُدَّ مِنـهُ فَمَرحَباً
بِهِ حيـنَ يَأتـي لا كِذابٌ وَلا عِلَل


 

أَتَـعــرِفُ رَسـمَ الدارِ قَفـراً مَنـازِلُه
كَجَـفـنِ اليَمـانِ زَخرَفَ الوَشيَ ماثِلُه

بِتَـثـليـثَ أَو نَجـرانَ أَو حَيـثُ تَلتَقي
مِنَ النَجـدِ في قَيـعـانِ جَأشٍ مَسائِلُه

دِيـارٌ لِسَـلمــى إِذ تَصـيـدُكَ بِالمُـنـى
وَإِذ حَـبــلُ سَلمـى مِنـكَ دانٍ تُواصُـلُه

وَإِذ هِـيَ مِـثــلُ الرَئمِ صيـدَ غَزالُهـا
لَهــا نَــظَـــرٌ ســاجٍ إِلَيـكَ تُـواغِــلُه

غَنـيـنـا وَما نَخـشـى التَفَـرُّقَ حِقـبَةً
كِلانـا غَريـرٌ ناعِـمُ العَيـشِ باجِـلُه

لَيـالِيَ أَقـتــادُ الصِـبــا وَيَـقـودُنـي
يَــجـــولُ بِـنــا رَيـعــانُهُ وَيُـحــاوِلُه

سَـمــا لَكَ مِـن سَـلمـى خَيـالٌ وَدونَها
سَــوادُ كَــثـــيـــبٍ عَـرضُهُ فَـأَمــايِــلُه

فَذو النيرِ فَالأَعلامُ مِن جانِبِ الحِمى
وَقُـفٌّ كَـظَهــرِ التُـرسِ تَجـري أَساجِـلُه

وَأَنّى اِهتَـدَت سَلمـى وَسائِلَ بَيـنَـنـا
بَـشــاشَــةُ حُـبٍّ بـاشَــرَ القَلبَ داخِلُه

وَكَــم دونَ سَــلمــى مِـن عَـدوٍّ وَبَـلدَةٍ
يَحـارُ بِها الهادي الخَفـيفُ ذَلاذِلُه

يَــظَـــلُّ بِهــا عَــيــرُ الفَـلاةِ كَـأَنَّهُ
رَقـيــبٌ يُـخــافــي شَـخــصَهُ وَيُـضــائِلُه

وَمـا خِـلتُ سَلمـى قَبـلَهـا ذاتَ رِجلَةٍ
إِذا قَـســوَريُّ اللَيلِ جيـبَـت سَرابِـلُه

وَقَـد ذَهَـبَــت سَـلمــى بِـعَــقــلِكَ كُـلِّهِ
فَهَـل غَـيــرُ صَـيــدٍ أَحرَزَتـهُ حَبـائِلُه

كَــمـــا أَحـرَزَت أَسـمــاءُ قَـلبَ مُـرَقِّشٍ
بِـحُــبٍّ كَـلَمـعِ البَرقِ لاحَت مَخـايِـلُه

وَأَنـكَــحَ أَسـمــاءَ المُـراديُّ يَبـتَـغـي
بِــذَلِكَ عَــوفٌ أَن تُــصـــابَ مَـقــاتِــلُه

فَـــلَمّـــا رَأى أَن لا قَــرارَ يُــقِـــرُّهُ
وَأَنَّ هَــوى أَســمــاءَ لا بُـدَّ قـاتِــلُه

تَـــرَحَّلــــَ مِـــن أَرضِ العِــراقِ مُــرَقِّشٌ
عَــلى طَــرَبٍ تَهـوي سِـراعــاً رَواحِـلُه

إِلى السَروِ أَرضٌ ساقَهُ نَحـوَها الهَوى
وَلَم يَـدرِ أَنَّ المَوتَ بِالسَـروِ غائِلُه

فَــغـــودِرَ بِــالفَـــردَيــنِ أَرضٍ نَـطــيَّةٍ
مَــســـيـــرَةِ شَهــرٍ دائِبٍ لا يُـواكِــلُه

فَـيــا لَكَ مِن ذي حاجَـةٍ حيـلَ دونَها
وَمـا كُلُّ ما يَهوى اِمرُؤٌ هُوَ نائِلُه

فَـوَجــدي بِـسَــلمــى مِـثــلُ وَجدِ مُرَقِّشٍ
بِـأَســمــاءَ إِذ لا تَسـتَـفـيـقُ عَواذِلُه

قَـضــى نَـحــبَهُ وَجـداً عَـلَيــهـا مُرَقِّشٌ
وَعُـلَّقــتُ مِـن سَلمـى خَبـالاً أُماطِـلُه

لَعَـمــري لَمَـوتٌ لا عُـقــوبَــةَ بَـعــدَهُ
لِذي البَثِّ أَشفـى مِن هَوىً لا يُزايِلُه


وقال:

أَلا أَبلِغـا عَبـدَ الضَلالِ رِسالَةً
وَقَد يُبـلِغُ الأَنبـاءَ عَنـكَ رَسولُ

دَبَبـتَ بِسِـرّي بَعـدَمـا قَد عَلِمـتَهُ
وَأَنـتَ بِـأَســرارِ الكِـرامِ نَـســولُ

وَكَيـفَ تَضِـلُّ القَصـدَ وَالحَقُّ واضِحٌ
وَلِلحَـقِّ بَـيــنَ الصالِحـيـنَ سَبـيـلُ

إلى أن قال:

وَأَنتَ اِمرُؤٌ مِنّـا وَلَستَ بِخَـيـرِنا
جَواداً عَلى الأَقصـى وَأَنتَ بَخيلُ

فَأَصـبَـحـتَ فَقـعـاً نابِـتـاً بِقَرارَةٍ
تَــصَـــوَّحُ عَــنـــهُ وَالذَليـلُ ذَليـلُ

وَأَعـلَمُ عِـلمــاً لَيـسَ بِالظَـنِّ أَنَّهُ
إِذا ذَلَّ مَـولى المَـرءِ فَهوَ ذَليلُ

وَإِنَّ لِسانَ المَرءِ ما لَم تَكُن لَهُ
حَـــصـــاةٌ عَــلى عَــوراتِهِ لَدَليــلُ

وَإِنَّ اِمرَأً لَم يَعـفُ يَومـاً فُكاهَةً
لِمَـن لَم يُـرِد سـوءً بِهـا لَجَهـولُ

تَعارَفُ أَرواحُ الرِجالِ إِذا اِلتَقَوا
فَـمِنهُم عَـدُوٌّ يُـتَّقـى وَخَليـلُ


وأنشد:

وَتَقـولُ عاذِلَتـي وَلَيسَ لَها
بِـغَــدٍ وَلا ما بَعـدَهُ عِلمُ

إِنَّ الثَراءَ هُوَ الخُلودُ وَإِنَّ
المَرءَ يُكـرِبُ يَومَهُ العُدمُ

وَلَئِن بَنيتُ إِلى المُشَقَّرِ في
هَـضــبٍ تُقَـصِّرُ دونَهُ العُصـمُ

لَتُنَـقِّبـَن عَنّـي المَنِيَّةُ إِنَّ
اللَهَ لَيـسَ لِحُـكــمِهِ حُـكــمُ


 

هاني حلمي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s