فيروس كورونا على طاولة كازينو سوق المال…!

لا يخلو النظام الرأسمالي الربوي من عجائب تترك الحيلم حيراناً متعجباً لما وصلت له البشرية من انحطاط لم يُسبق فيما نعلم من تاريخ البشر منذ خلقهم الله تعالى إلى يوم الناس هذا!

ولقد سبرتُ أغوار هذا النظام بحكم العمل و الدراسة، و لقد خلصتُ إلى أن بورصات العالم و بنوكه و مؤسساته الماليه ما هي إلا كازينو كبير تدارُ فيه عمليات القمار على مدار الساعة، يتهافتُ عليه الكل من أجل الحظ و الربح، و من تلك الألعاب سندات الكوارث Cat Bonds و المشتقات المالية Derivatives و المبادلات Swaps و ال Options و Forward contracts و التحوط Hedging ، التي هي في حقيقتها مضاربات Speculation إحدى أطرفها فائز والآخر خاسر، وغيرها من الأوراق المالية التي تكسب أو تخسر بناء على حدث تخميني في المستقبل مثل الكوارث الطبيعية، تغير العملة، تغير معدلات الفائدة، تغير قيمة سهم، أو حتى تغير درجات الحرارة! بل حتى اجتياح الأوبئة والفيروسات! كل ما هو غيب يمكن اللعب عليه والإتجار فيه!

إن الميسر و القمار يسريان في عروق الغرب الكافر، في تجارتهم، و رياضتهم، وثقافتهم، حتى أعمال الخير عندهم لا تخلو من مقامرة! هذه أخلاق المغضوب عليهم والضالين…و دونكم شيء منها لا تجدونه في الأخبار؛

بعد ما ظهر فيروس إيبولا في 2014، وظهر عجز دول أفريقيا الفقيرة في التعامل معه، أصدر البنك الدولي في 2017 ما يعرف ب”سندات الجوائح” Pandemic Bonds، بقيمة 425 مليون دولار، وذلك لمساعدة الدول في احتواء الأثار الناتجة عن حدوث وباء عالمي.

كيف تعمل سندات الجوائح؟

ببساطة شديدة، دون الخوض في تفاصيل كثيرة، يدفع مستثمرون “مقامرون” القيمة الإسمية للسندات، ويحصلون على معدل فائدة مرتفع جداً لمدة زمنية محددة، ولتكن خمس سنوات، ويخسر المستثمرون قيمة السند الإسمية أو معظمها إذا حدث خلال مدة السند حدثاً موصوفاً بدقة Trigger، وهنا الحدث هو حصول وباء عالمي، مثل فيروس كورونا.

وشروط الحدث Trigger لاستحقاق سندات الجوائح الحالية كالتالي، وتطبيقها على فيروس كورونا:

– مرور 12 اسبوع من تاريخ الإعلان الرسمي عن الوباء (31/12/2019) – أي في 24/03/2020.
– على الأقل موت 20 ضحية من الوباء، من دولتين على الأقل – تم تحققه.
– أن يكون عدد الضحايا أكثر من 250 ، وذلك بعد مرور 12 اسبوع من تاريخ الإعلان الرسمي عن الوباء، – تم تحققه. (وعليه يخسر المستثمرون 195.8 مليون دولار، طبقاً لشروط السند)
– أن يكون معدل الإصابة على الأقل 20% لمدة أسبوعين، بعد مرور ال 12 أسبوع، أي من 24/03/2020 إلى 06/04/2020 – في انتظار معرفته.

فإذا تم استيفاء هذه الشروط، يخسر المستثمرون القيمة الإسمية للسندات، البالغة تقريباً 425 مليون دولار، على تفصيل في أنواع السندات وطريقة عملها…، ودون الخوض في التفاصيل التي لا تفيد القارئ، فهذه هي الخطوط العريضة.

هذه السندات لا تحتاج لكثير فقه للعلم أنها عين القمار الذي حرمه الله في شريعة الإسلام، وسائر الشرائع التي أنزلها الله، وإن كانت المصلحة من تلك السندات مساعدة الدول على إحتواء الوباء! ولكنها مصلحة ملغاة، ألغاها الله العليم الخبير في كتابه، قال تعالى:

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ } سورة البقرة- جزء من أية رقم (219) .

القمار والربا هما الوباء على الحقيقة، فعجباً لمن يريد أن يرفع الوباء بوباء أعظم منه، ولكن الله ختم على قلوبهم وسمعهم وبصرهم، فهم صم عمي بكم عن كل خير، ومع ذلك يحسبون أنهم يحسنون صنعاً!

فهذه الأوبئة والأمراض هي من كسب الناس و من جراء فسقهم و كفرهم، ويرفع الله كثيراً منها بعفوه و رحمته، وقد يصيب الله بها من يشاء من عبادة عقوبة لمن يستحق العقاب، وذكرى لمن كان له قلبُ حي، و ابتلاءً لصبرالمؤمنين منهم، إلى غير ذلك من الأسباب الحكيمة التي لا يعلمها إلا الله … قال تعالى:

{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} سورة الشورى، أية (30)

قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: ” يقول تعالى ذكره: وما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم وأهليكم وأموالكم (فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) يقول: فإنما يصيبكم ذلك عقوبة من الله لكم بما اجترمتم من الآثام فيما بينكم وبين ربكم ويعفو لكم ربكم عن كثير من إجرامكم, فلا يعاقبكم بها.”

وفي سنن ابن ماجة، كتاب الفتن، باب العقوبات، من حديث ابن عمر رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا…)

وقال تعالى:

{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} الروم 41.

فهل يرجع هذا العالم عن غية؟

هذه أيات بينات، وعلامات لضبط بوصلة البشر نحو الصراط المستقيم…صراط الله، فهل يرجعون؟

ومن يدعوهم للرجوع غير خير أمة أخرجت للناس؟

فإذا تخلفت أمة الإسلام عن تلك الدعوة وشغلها الدرهم والدينار والشهوات عن رسالتها…فلا تسأل عن انحطاط العالم، واسأل ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين!

هاني

منشور بصفحتي على الفيس بوك بتاريخ 12 مارس 2020.

فكرة واحدة على ”فيروس كورونا على طاولة كازينو سوق المال…!

  1. تعقيب: كلماتٌ حول فيروس كورونا…! | هاني حلمي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s