يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ…!

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،،،

وقوع المرض والوباء يشبه وقوع الرزق والمطر؛ فكلاهما من الله عز وجل وحده؛ هو يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ؛ كما قال تعالى:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} [النور : 43]

وقال تعالى:

{اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ۖ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50)} [الروم : 48-50]

فلا ينبغي الالتفات للأسباب والإغراق في تحليلها كأنها كل شيء؛ وهذا يزيح عنك تفسير أرقام الإصابات بالوباء حول العالم؛ لم تقل هنا؛ وتكثر هناك؛ فلا يسعك إلا أن تقول: يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ؛ وأسأل الله وحده العفو والعافية؛ وهذا لا يتعارض مع بعض الأسباب التي هي من كسب أيدي البشر، كما سيأتي…

قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله عن التوكل المأمور به وعلاقته بالأسباب،:

“قَالَ طَائِفَة من الْعلمَاء الِالْتِفَات إِلَى الْأَسْبَاب شرك فِي التَّوْحِيد؛ ومحو الْأَسْبَاب أَن تكون أسباباً نقص فِي الْعقل؛ والإعراض عَن الْأَسْبَاب بِالْكُلِّيَّةِ قدح فِي الشَّرْع وَإِنَّمَا التَّوَكُّل الْمَأْمُور بِهِ مَا يجْتَمع فِيهِ مقتضي التَّوْحِيد وَالْعقل وَالشَّرْع.” انتهى، من التحفة العراقية.

وبيان هذه الكلمة؛ في سياق الوباء:

معنى الالتفات للأسباب؛ نظر القلب للأسباب وحدها؛ بقطع النظر عن مسببها؛ وهذا الالتفات يكون شركاً في الربوبية إن اعتقد القلب أن هذه الأسباب تنفع وتضر من دون الله.

فكم من دول حازت أسباب التقدم المادي؛ وعمها الوباء؛ ودول غير ذلك؛ ولم يصبها الوباء إلا قليلاً؛ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ.

ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل؛ فإن الله قد جعل أمور الناس مرتبة على أسبابها؛ فمن وقى نفسه من أسباب المرض؛ وُقي بإذن الله؛ ومن تعرض لأسباب المرض؛ أصيب بإذن الله… ومن نفى كون السبب الظاهر سبباً لأثره فقد أزرى بعقله.

أما الإعراض عن الأسباب بالكلية فهو قدحُ في الشرع؛ لأن الشرع قد أمر بالإتيان بأسباب وترك أخرى؛ رجاء حصول أثرها؛ فأمر الله بالتداوي؛ وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالفرار من المجذوم؛ وأمر بالرقية للمريض؛ فترك الأخذ بتلك الشرائع تعطيل للشرع؛ و هو عين القدح فيه.

وَإِنَّمَا التَّوَكُّل الْمَأْمُور بِهِ مَا يجْتَمع فِيهِ مقتضي التَّوْحِيد وَالْعقل وَالشَّرْع؛ فتؤمن أن الله هو الضار النافع؛ هو خلق المرض والشفاء؛ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ، وأن من التوكل الأخذ بأسباب الوقاية التى عدها الشرع اسباباً؛ كالدعاء والصلاة؛ والنظافة والحجر الصحي؛ وكل ما عده العقل الصريح سبباً صحيحاً للوقاية من المرض؛ فهو من الشرع.

أما عن تفسير أسباب نزول الوباء بالعالم؛ فهذه مسألة دقيقة، ينبغي التفطن لها؛ لأن فيها مدخل للغيب وما استأثر الله بعلمه؛ فالجزم في هذه القضية ضرب من القذف بالغيب من مكان بعيد…

أسباب نزول الوباء كونية من جهة تقدير الله عز وجل لها؛ وقضاءه الحكيم بوقوعها كما قدرها؛ يفعل ما يشاء عز وجل؛ وهو العليم الحكيم.

وكذلك لها أسباباً شرعية؛ دلت عليها النصوص؛ منها ظهور الفساد في البر والبحر؛ ومنها نقص المكيال؛ ومنع الزكاة؛ ونقض عهد الله ورسوله؛ وترك الحكم بما أنزل الله؛ ظلم العباد؛ وتفشي الفواحش والزنا؛ وأكل الربا؛ والرضا بالدنيا؛ وغيرها.

فإن الله عز وجل قد جعل بعض أفعال العباد سبباً في بعض الحوادث، وجاءت النصوص بها؛ تخويفاً لهم و زجراً عنها؛ ولكن لا يسع أحد أن يجزم أن هذا السبب بعينه هو سبب هذا الوباء بعينه؛ فهذا من الكلام على الله بغير علم.

ولا يخفى أن من الأسباب مكر الذين كفروا؛ وهو مكرٌ شديد؛ وصفه الله عز وجل في كتابه {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} [ابراهيم : 46] ؛ فالله وحده يعلم ما وراء مكرهم؛ فلا تستبعد أن يكون مكرهم سبباً، فاجعله في بقعة الإمكان؛ ولا تشهد إلا بما علمت؛ واترك ما لا تعلمه عند قوله تعالى {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}.

ولا يمنع أن تكون كل هذه الأسباب مجتمعة سبباً للوباء؛ويعفو الله عن كثير؛ والعلم عند الله.

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم؛

هاني

منشور بصفحة الفيسبوك بتاريخ 04 أبريل 2020.

فكرتان اثنتان على ”يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ…!

  1. تعقيب: كلماتٌ حول فيروس كورونا…! | هاني حلمي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s