بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،،،
نشرموقع “اليوم السابع” بتاريخ 11 يناير 2021، تحت باب “فتوى اليوم”، حيث ورد سؤال لدار الإفتاء سؤال نصه :
“نرجو من السادة الأفاضل التكرم علينا بإصدار فتوى مكتوبة موثقة من دار الإفتاء المصرية عن قضية فوائد البنوك، وحكم التعامل بها. ولكم من الله أفضل الجزاء، ومنا فائق التقدير والاحترام، وجاء رد اللجنة كالآتى:
راعت الشريعة الإسلامية حاجة المكلفين ومصالحهم، فأباحت لهم من المعاملات ما تستقيم به حياتهم، وتنصلح به أحوالهم، فجاءت النصوص بحل بعض المعاملات على وجه التفصيل؛ كالبيع والإجارة والرهن وغير ذلك، كما تواردت النصوص على وجوب الوفاء بالعقود؛ كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، والأصل فى ذلك العموم؛ على مقتضى سعة اللغة، وأخذًا من أن الأصل فى الأشياء الإباحة؛ كما قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ [الجاثية: 13]، فتصير الآية بذلك شاملة لكل عقد يحقق مصالح أطرافه ويخلو من الغرر والضرر.
قال الإمام الشافعى فى “تفسيره” (2/ 692، ط. دار التدمرية): [وهذا من سعة لسان العرب الذى خوطبت به، وظاهره عام على كل عقد] اهـ. وقال الإمام الرازى فى “تفسيره” (20/ 337، ط. دار إحياء التراث): [دخل فى قوله: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ كل عقد من العقود كعقد البيع والشركة، وعقد اليمين والنذر، وعقد الصلح، وعقد النكاح. وحاصل القول فيه: أن مقتضى هذه الآية أن كل عقد وعهد جرى بين إنسانين فإنه يجب عليهما الوفاء بمقتضى ذلك العقد والعهد، إلا إذا دل دليل منفصل على أنه لا يجب الوفاء به فمقتضاه الحكم بصحة كل بيع وقع التراضى به وبصحة كل شركة وقع التراضى بها] اهـ.
وقد نص الفقهاء على جواز استحداث عقود جديدة؛ لما فى ذلك من مجاراة ما يجد من وقائع الأحوال وتغيرها؛ بل جعلوا لأجل ذلك بابًا من الفقه أطلقوا عليه “فقه النوازل”، وهو يخص كل ما استجد من أمور لم تتناولها نصوص الشرع بالذكر على وجه الخصوص.
قال الإمام السرخسى الحنفى فى “المبسوط” (23/ 92، ط. دار المعرفة): [فإن الأصل فى العقود الصحة] اهـ. وقال العلامة الدسوقى المالكى فى حاشيته على “الشرح الكبير” (2/ 317، ط. دار الفكر): [والأصل فى العقود الصحة] اهـ.
وقال الشيخ ابن تيمية الحنبلى فى “الفتاوى الكبرى” (4/ 79، ط. دار الكتب العلمية) فى نصرة هذا القول وترجيحه: [القول الثاني: أن الأصل فى العقود والشروط الجواز والصحة، ولا يحرم ويبطل منها إلا ما دل على تحريمِه وإبطالِه نصٌّ، أو قياسٌ عند من يقول به، وأصولُ أحمدَ المنصوصُ عنه أكثرُها تجرى على هذا القول، ومالكٌ قريب منه، لكنَّ أحمدَ أكثرُ تصحيحًا للشروط؛ فليس فى الفقهاء الأربعة أكثر تصحيحًا للشروط منه] اهـ.
وهذا هو المعمول المفتى به فى هذا الزمان الذى استجدت فيه نوازل العقود، وتنوعت فيه أساليب المعاملات ووسائلها وطرقها؛ فالأصل فى العقود الصحة؛ سواء كانت عقودًا موروثةً منصوصًا عليها؛ كالبيع والشراء والإجارة وغيرها، أو كانت عقودًا مستحدثة لم تتناولها النصوص بالذكر والتفصيل على جهة الخصوص، ما دامت تخلو من الضرر والغرر، وتحقق مصالح أطرافها. والذى استقرت عليه الفتوى بدار الإفتاء المصرية وقرره مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف: أن الإيداع فى البنوك ودفاتر التوفير وشهادات الاستثمار ونحوها هو من باب العقود المستحدثة التى يبرمها أطرافها بقصد الاستثمار، وليست من باب القروض التى تجر النفع المحرم، ولا علاقة لها بالربا، وهى جائزة شرعًا؛ أخذًا بما عليه التحقيق والعمل من جواز استحداث عقود جديدة إذا خلت من الغرر والضرر.
وقد كان تصوير هذه العقود مختلفًا فيه قبل صدور قانون البنوك: فمن العلماء المعاصرين من سلك بها مسلك القروض؛ فحرم الزيادة من غير نظر إلى القصد من العقد. ومنهم من نظر إلى مقصودها الاستثمارى التى هو غرض العقد وغايته؛ فجعلها من باب التمويل، حتى صدر قانون البنوك المصرى رقم 88 لسنة 2003م، ولائحته التنفيذية الصادرة عام 2004م؛ ليقطع بتصوير العلاقة بين البنوك والمتعاملين معها على أنها من باب “التمويل”، وحكم الحاكم يرفع الخلاف، وإذا كانت تمويلًا فليست الفوائد حرامًا؛ لأنها ليست فوائد قروض، وإنما هى عبارة عن أرباح تمويلية ناتجة عن عقود تحقق مصالح أطرافها، ولا علاقة لها بالربا المحرم الذى وَرَدَت حُرْمته فى صريحِ الكتابِ والسُّنة، والذى أجمَعَت الأمةُ على تحريمه.
وبناءً على ذلك: فإنه يجوز التعامل مع البنوك، وأخذ فوائدها شرعًا، والإنفاق منها فى جميع وجوه النفقة الجائزة من غير حرج.”
قلتُ مستعيناً بالله؛
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛
ما جاء بالفتوى ليس جديداً عليّ، فهو نص كلام علي جمعة وشوقي علام كما بموقع دار الإفتاء المصرية على الانترنت.
وليس هذا المنشور بصدد بيان حكم فوائد البنوك، بل هو أصالة في بيان الفساد الأصولي في منهج الاستدلال في فتوى الدار، وتسمية الأشياء بغير اسمها، والقواعد الباطلة بالفتوى.
فهذه رؤوس أقلام فيها بيان فساد هذه الفتوى الشنيعة بخصوص فوائد البنوك، والتي أطبق المعاصرون من أهل العلم أنها من الربا المحرم، إلا دار الافتاء المصرية ومجمع بحوثها، عناداً للحق وإضلالاً للخلق.
أولاً: دفعت الدار في صدر أدلتها بدليل استصحاب الأصل والعموم، وذكروا أن الأصل في وفاء العقود العموم، وأن الأصل فى الأشياء الإباحة، وتجاهلت أدلة الكتاب والسُنة.
وبيان ذلك أن أدلة الأحكام الشرعية يمكن تقسيمها كالتالي:
أدلة محل اتفاق بين جمهور المسلمين: وهذا يشمل الكتاب والسنة.
و أدلة محل خلاف بين العلماء: وهذا يشمل قول الصحابي، وشرع من قبلنا، والاستحسان، والمصالح المرسلة، والعرف، وسد الذرائع، واستصحاب الأصل… فبعض العلماء اعتبرها أدلة شرعية وبعضهم منع ذلك، على تفصيل لا يتسع له المقام.
ودليل الاستصحاب خاصة يعد آخر دليل شرعي يلجأ إليه المجتهد لمعرفة حكم ما عرض له ولهذا قال الأصوليون: إنه آخر مدار الفتوى وهو الحكم على الشيء بما كان ثابتا له مادام لم يقم دليل يغيره.
الشاهد: أن الدار تركت أدلة الكتاب والسنة المتفق عليها، وبنت فتواها في مسألة عظيمة كفوائد البنوك على دليل في ذيل أدلة الأحكام المختلف فيها! وضربوا الذكر صفحاً عن غيره من الأدلة! وهذا عجز ظاهر، وخلل أصولي في الاستدلال… وكأنهم يأسوا من أدلة الكتاب والسنة أن فيهما بيان تلك القضية العظيمة!!! وهذا لازم باطل، وإن لم يلتزمه المفتي.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى الكبرى ج4 ص 99:
“إذا ظَهَرَ أنَّ لِعَدَمِ تَحْرِيمِ العُقُودِ والشُّرُوطِ وصِحَّتِها أصْلانِ: الأدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ العامَّةُ، والأدِلَّةُ العَقْلِيَّةُ الَّتِي هِيَ الِاسْتِصْحابُ وانْتِفاءُ المُحْرِمِ، فَلا يَجُوزُ القَوْلُ بِمُوجِبِ هَذِهِ القاعِدَةِ فِي أنْواعِ المَسائِلِ وأعْيانِها إلّا بَعْدَ الِاجْتِهادِ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ النَّوْعِ أوْ المَسْألَةُ هَلْ ورَدَ مِن الأدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ما يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، أمّا إذا كانَ المُدْرِكُ الِاسْتِصْحابَ ونَفْيَ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ فَقَدْ أجْمَعَ المُسْلِمُونَ، وعُلِمَ بِالِاضْطِرارِ مِن دِينِ الإسْلامِ، أنَّهُ لا يَجُوزُ لِأحَدٍ أنْ يَعْتَقِدَ ويُفْتِيَ بِمُوجِبِ هَذا الِاسْتِصْحابِ والنَّفْيِ إلّا بَعْدَ البَحْثِ عَنْ الأدِلَّةِ الخاصَّةِ إذا كانَ أهْلَ ذَلِكَ، فَإنَّ جَمِيعَ ما أوْجَبَهُ اللَّهُ ورَسُولُهُ، وحَرَّمَهُ اللَّهُ ورَسُولُهُ مُغَيِّرًا لِهَذا الِاسْتِصْحابِ، فَلا يُوثَقُ بِهِ إلّا بَعْدَ النَّظَرِ فِي أدِلَّةِ الشَّرْعِ لِمَن هُوَ مِن أهْلِ ذَلِكَ.” الفتاوى الكبرى 4- 99
فهذه الفتوى دليل العاجز عن إيجاد دليل من الكتاب والسنة! وليس ذلك لخلو الكتاب والسنة من الأدلة على قضية فوائد البنوك، وإنما لأن الكتاب والسنة يرشدان إلى غير ما يريدون! وفي أدلة الكتاب والسنة التفصيلة بيان تحريم الربا، وبيان الأموال الربوية، وبيان كيفية عقد الربا، ولكن هؤلاء يريدون أية أو حديث مكتوب فيه ” فوائد البنوك ربا” وإلا فهي من مسائل الاجتهاد! و إذا لم تقول الأية ” فوائد البنوك في مصر ربا” ؛ فسيقولون أن دخول مصر في الحكم هو من مسائل الاجتهاد!! بنوك مصر لها قانون خاص وطبيعة خاصة، فلا ينطبق عليها هذا النص…لأن قانون البنوك المصري ليس كغيره من القوانين….إلى أخرهذا الهذيان، ويتولى كبر هذا التخريف سعد الدين الهلالي وعلي جمعة و أضرابهم من المتفلسفة المنتسبين للعلم… يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً.
ومن تلبيسهم على الناس في تلك الفتوى إلصاق فريتهم بشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله، لعلمهم ما لشيخ الإسلام من مكانة في قلوب الناس، وهم في الواقع لا ينتسبون لطريقة شيخ الإسلام في العقيدة ولا في العلم والعمل، إنما حشروا اسمه ليخدم مصالحهم، والقارئ المسكين غير المتخصص قد يلتبس عليه أن مذهب شيخ الإسلام جواز تلك الفوائد ، لا أن المقصود هو أن إحداث عقود جديدة هو مذهب شيخ الإسلام … وعلي جمعة –خاصة- لا يستشهد بكلام شيخ الإسلام في صغيرة ولا كبيرة! فلم أقحمه هنا!
ثانياً: استدلال الدار بالتراضي في العقود دليلاً على وقوعها صحيحة!
وهذا ظاهر البطلان، فالتراضي ليس مطلقاً، وإنما مقيد وفق ما يرضي الله ورسوله، بما لا يعود علي الشرع بالنقض والبطلان.
فالتراضي في عقد الربا، لا يعني أن عقد الربا وقع صحيحاً! فهو عقد باطل وأن اتفق عليه طرفاه، وهذا ظاهر.
والعقود الباطلة لا يجب الوفاء بها، وعقد الربا الذي أبطله الشرع لا يحقق مصالح أطرافه ولا يخلو من الغرر والضرر، وإن تراضيا عليه، فكل عقد أبطله الشرع فمصلحته ملغاة، وإثمه أقرب من نفعه، ومصلحته المتوهمة ملغاة في مقابل مفسدته الراجحه.
ثالثاً: تسمية عقد الربا من باب العقود المستحدثة التى يبرمها أطرافها بقصد الاستثمار، وليست من باب القروض!
ولقد علم القاصي والداني ممن له أدنى معرفة واطلاع على نموذج عمل البنوك أن البنوك لا تستثمر، فالبنوك ليست مؤسسات استثمارية تتاجر في الأصول وتخلق الأرباح، البنوك مؤسسات تتاجر في النقد، وتخلق الائتمان، وتأخذ ثمن الائتمان، وهي الفوائد الربوية على النقد.
البنك الربوي هو مؤسسة تتاجر في النقد، يقترض منك المال بفائدة سنوية 15% مثلاً ، ثم يقوم بإقراض نفس المال بفائدة سنوية 20%، وذلك عن طريق قروض السيارات والعقارات وبطاقات الائتمان وخلافه… وقروض المشروعات التي يمولها البنك، كمُقرض بفائدة وليس شريكاً بالمكسب والخسارة.
فالبنك الربوي هو تاجر نقود، سلعته النقود، يقترضها بفائدة ويُقرضها بفائدة أكبر،وربح البنك يكون من فرق الفائدتين … بالإضافة إلى بعض الخدمات الأخرى.
وخدعتك الدار فقالت أن البنك يستثمر المال! والحق الذي لا مرية فيه أن البنوك لا تستثمرالمال! بمعنى أدق: البنوك لا تخاطر بالمال مخاطرة تجارية (Trade risk) فتتحمل مكاسب التجارة وخسائرها، البنوك عملها هو في المخاطرة الإتمانية (Credit risk) وهي مخاطر عدم القدرة على السداد أو التأخر في السداد وتعثر المقترضين…والبنوك المركزية لا تسمح للبنوك بالتجاره إلا في حدود ضيقة جداً، لأن التجارة ليست من ضمن رخصة عمل البنوك، فالبنوك لا تتاجر ولا تستثمر، وانظر في ميزانيات البنوك ستجد ما ذكرته لك صدقاً…كذلك فإن رؤوس أموال البنوك هي في الأساس لتغطية مخاطر الإئتمان، لأنه الخطر الرئيسي في عمل البنك… فرأس المال المصرح به للبنك هو لتغطية مخاطر الائتمان وعجز السيولة، لا ليغطي الخسائر التجارية من بيع وشراء الأصول وتقليبها في التجارة، فالتجارة ليست وظيفة البنوك في الاقتصاد الرأسمالي الربوي.
في قانون البنوك رقم 88 لسنة 2003؛ الذي تستدل به دار الإفتاء على أن البنك يستثمر!!! تنص المادة رقم ٦٠ كما يلي:
“يحظر على البنك ما يأتى:…
4 – الدخول كشريك متضامن فى شركات الأشخاص والتوصية بالأسهم.
5 – التعامل فى المنقول أو العقار بالشراء أو البيع أو المقايضة عدا:
( أ ) العقار المخصص لإدارة أعمال البنك أو الترفيه عن العاملين به.
(ب) المنقول أو العقار الذى تؤول ملكيته إلى البنك وفاء لدين له قبل الغير على أن يقوم البنك بالتصرف فيه خلال سنة من تاريخ أيلولة الملكية بالنسبة للمنقول وخمس سنوات بالنسبة للعقار…”
فإن كان البنك لا يشارك ولا يبيع ولا يشتري! فماذا يفعل البنك بالنقود؟؟؟ الإجابة الصحيحة هي أن البنك يخلق الائتمان؛ يعطي فائدة على الودائع التي يتقبلها من الناس؛ ويقرض الناس بفائدة أكبر. هذا هو القانون الذي أخذت منه دار الإفتاء أن البنك يستثمر!هذا هو القانون الذي قالوا عنه “حكم الحاكم يرفع الخلاف” كما سيأتي
فوظيفة البنك باختصار هي الاتجار في الديون والقروض والائتمان؛ وخلق الديون والقروض والائتمان؛ ولكن دار الافتراء المصرية تتجاهل ذلك عن عمد! والله حسيبهم.
رابعاً: تسمية الإقراض بالربا تمويلاً ، وتسمية الإيداع بالربا استثماراً!
وكأن تسمية الإقراض بالربا تمويلاً سوف يغير الحكم الشرعي للاقتراض بالربا! وكأن تسمية الإيداع بالربا استثماراً سوف يغير الحكم الشرعي للاقراض بالربا!والحق أن تغيير المسميات لا يغير من حقيقة حكم المسمى شيئاً! فلو أنك سميت الخنزير خروفاً ، هل يغير ذلك حكم أكل الخنزير!
لذلك تتشدد الدار وتؤكد في فتاويها على عدم استخدام مصطلح القرض في التعبير عن فوائد البنوك!
قال شوقي علام في الفتوى رقم 3089 بتاريخ 12/01/2016 من فتاوى الدار المنشورة على موقعهم: “ويجب عدمُ تسمية هذا العقد بالقرض؛ لأن مبنى القرض على الإرفاق ومحض الخيرية، وهذه عقود استثمارية لم تُبْنَ على الإرفاق، بل على طلب كلا الطرفين للربح، فإذا سُمِّيَتْ “قروضًا” سبَّب ذلك لَبسًا مع قاعدة “كلُّ قرضٍ جَرَّ نَفعًا فهو ربًا “. وبناءً على ذلك: فهذه عقود تمويل جائزة شرعًا، ولا علاقة لها بالربا، بل إنها خير عون على إنجاز المشاريع الإنتاجية والتنمية المجتمعية.”
وقال علي جمعة في الفتوى رقم 816 بتاريخ 05/04/2006 من فتاوى الدار المنشورة على موقعهم:“عقود التمويل الاستثمارية بين البنوك والهيئات العامة وبين الأفراد والمؤسسات، والتي يتقرر الصرف فيها بناءً على دراسات الجدوى للمشاريع والاستثمارات المختلفة، وهذه في الحقيقة عقود جديدة، ويجوز إحداث عقود جديدة من غير المسماة في الفقه الموروث كما رجحه الشيخ ابن تيمية وغيره، ويجب وجوبًا محتَّمًا عدم تسمية النوعين الأخيرين بالقروض؛ لأن ذلك يسبب لبسًا مع قاعدة: “كل قرض جر نفعًا فهو ربًا”.
السؤال هنا: فما الذي تغير؟ ومن الذي غير الأسماء؟ وغيرالأحكام الشرعية كذلك؟
والإجابة من كلامهم: ” قانون البنوك المصرى رقم 88 لسنة 2003م، ولائحته التنفيذية الصادرة عام 2004م؛ ليقطع بتصوير العلاقة بين البنوك والمتعاملين معها على أنها من باب “التمويل”، وحكم الحاكم يرفع الخلاف، وإذا كانت تمويلًا فليست الفوائد حرامًا؛ لأنها ليست فوائد قروض، وإنما هى عبارة عن أرباح تمويلية ناتجة عن عقود تحقق مصالح أطرافها، ولا علاقة لها بالربا المحرم الذى وَرَدَت حُرْمته فى صريحِ الكتابِ والسُّنة، والذى أجمَعَت الأمةُ على تحريمه”
خامساً: قولهم “حكم الحاكم يرفع الخلاف”!!
وهنا تُسكب العبرات على أصول الفقه! حكم الحاكم الذي رفع الخلاف هنا هو القانون الوضعي! قانون البنك المركزي الوضعي يرفع الخلاف الشرعي! سبحانك هذا بهتان عظيم! هذا إن كان ثمّ خلاف سائغ، فماذا إن كان هذا الخلاف لا يعتد به!
قال ابن القيم رحمه الله تعالى، في أعلام الموقعين ، ص ٧٠٦ ، نشرة دار طيبة:“… والفقهاءُ من سائر الطوائف قد صرَّحوا بنقضِ حكم الحاكم إذا خالف كتابًا أو سنةً وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء؟”
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:” والمنصب والولاية لا يجعل من ليس عالما مجتهدا عالما مجتهدا، ولو كان الكلام في العلم والدين بالولاية والمنصب لكان الخليفة والسلطان أحق بالكلام في العلم والدين، وبأن يستفتيه الناس ويرجعوا إليه فيما أشكل عليهم في العلم والدين، فإذا كان الخليفة والسلطان لا يدعي ذلك لنفسه ولا يلزم الرعية حكمه في ذلك بقول دون قول إلا بكتاب الله وسنة رسوله، فمن هو دون السلطان في الولاية أولى بأن لا يتعدى طوره، ولا يقيم نفسه في منصب لا يستحق القيام فيه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي -وهم الخلفاء الراشدون-، فضلا عمن هو دونهم فإنهم رضي الله عنهم إنما كانوا يلزمون الناس باتباع كتاب ربهم وسنة نبيهم”
فحقيقة الأمر أن دار الإفتاء جعلت من البنك المركزي عالماً مجتهداً، بل وجعلوا حكمه قاطعاً!
ولا أعلم كيف ينام هؤلاء ويغمض لهم جفن، وأين هم من الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم!
وفي ذلك كفاية بيان لمن له بصيرة بفساد أصول هذه الفتوى، وفي الهامش هنا شيء من قرارات المجامع الفقهية بخصوص فوائد البنوك لمن يريد الاطلاع عليها.
والله الهادي؛
هاني حلمي
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي، قرار رقم 133 بشأن مشكلة المتأخرات في المؤسسات المالية الإسلامية، ما نصه:
حيث إن البنوك التقليدية تتعامل بالفائدة المحرمة، لذا فإن من المناسب التأكيد على تحريم الفوائد البنكية في ضوء ما يأتي:
أ- وظائف البنوك التقليدية:
إن القوانين المنظمة لعمل البنوك تمنعها من العمل في مجال الاستثمار القائم على الربح والخسارة. فهي تتلقى الودائع من الجمهور بصفتها قروضاً، وتحصر وظائفها – كما يقول القانونيون والاقتصاديون – في الإقراض والاقتراض بفائدة، وخلق الائتمان بإقراض تلك الودائع بفائدة ً.
ب- العلاقة بين البنوك التقليدية والمودعين:
إن التكييف الشرعي والقانوني للعلاقة بين المودعين والبنوك هو علاقة إقتراض لا وكالة، وهذا هو ما تقرره القوانين وأنظمة البنوك، وذلك لأن الوكالة في الاستثمار عقد يفوض بمقتضاه شخص آخر في استثمار مبلغ من المال مملوك لصالح الموكل مقابل أجر محدد بمبلغ مقطوع أو نسبة من المال المستثمر، وقد انعقد الإجماع على أن الموكل يملك المال المستثمر، وله غُنمه ( ربحه ) وعليه غرمه ( خسارته ) وللوكيل الأجرة المحددة في عقد الوكالة إذا كانت الوكالة بأجر.
وعلى ذلك فلا تكون البنوك وكيلة عن المودعين في استثمار ودائعهم لأن هذه الودائع بتقديمها إلى البنك التقليدي وضمانه لها تكون قروضاً يملك التصرف فيها مع التزامه بردها، والقرض يُردّ بمثله دون أي زيادة مشترطة.
ج- فوائد البنوك التقليدية من الربا المحرم شرعاً:
إن فوائد البنوك على الودائع من الربا المحرم شرعاً في الكتاب والسُنة وهو ما تضافرت عليه القرارات والفتاوى منذ المؤتمر الإسلامي الثاني لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد بالقاهرة في المحرم سنة 1385هـ / مايو 1965م، وحضره خمسة وثمانون فقيهاً من كبار علماء الأمة، وضم ممثلين لخمس وثلاثين دولة إسلامية، ونصّ في بنده الأول على أن: الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم.
وتعاقبت بعد ذلك قرارات وتوصيات مؤتمرات عدة منها:المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة عام 1396هـ/1976م والذي حضره أكثر من ثلاثمائة من علماء وفقهاء وخبراء في الاقتصاد والبنوك، وقد أكد على حرمة فوائد البنوك.
المؤتمر الثاني للمصارف الإسلامية المنعقد في الكويت 1403هـ/ 1983 م وقد أكد على المعنى نفسه.
مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة مؤتمره الثاني بجدة في ربيع الآخر 1406هـ/ديسمبر 1985م في قراره رقم 10 (10/2)، والذي نص على أن: كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حل أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بداية العقد، هاتان الصورتان ربا محرم شرعاً.
المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة الذي أكد في دورته التاسعة المنعقدة عام 1406هـ/ 1986م: على أن كل ما جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعاً.
لجنة الافتاء بالأزهر التى أكدت على حرمة عوائد شهادات الاستثمار (أ، ب) لأنه من باب القرض بفائدة، والقرض بفائدة ربا، والربا حرام.
فتوى فضيلة المفتي – آنذاك – الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي في رجب 1409هـ/فبراير 1989م، تنص على أن: إيداع الأموال في البنوك أو إقراضها أو الاقتراض منها بأي صورة من الصور مقابل فائدة محددة مقدماً حرام.
يضاف إلى كل ما سبق ذكره فتاوى العديد من الهيئات العلمية: كالمجامع الفقهية في البلدان الإسلامية، ولجان الفتوى، والندوات والمؤتمرات العلمية، وفتاوى أهل العلم والمختصين في شؤون الاقتصاد وأعمال البنوك في العالم الإسلامي كلها أكدت على هذا المعنى بحيث تشكل في مجموعها إجماعاً معاصراً لا تجوز مخالفته على تحريم فوائد البنوك.
د- تحديد عائد الاستثمار بمبلغ مقطوع أو بنسبة من رأس المال مقدماً:
من المقرر أن عقد القرض بفائدة يختلف عن عقد المضاربة الشرعية حيث إن الربح للمقترض والخسارة عليه في القرض، أما المضاربة فهي مشاركة في الربح وتحمل للخسارة إن وقعت، لقوله صلى الله عليه وسلم: ” الخراج بالضمان ” – رواه أحمد وأصحاب السُنن بسند صحيح. – أي ما يتحصل من عوائد ونماء وزيادات، إنما يحلُّ لمن يتحمل تبعة التلف والهلاك والتعيّب، وقد استخلص الفقهاء من هذا الحديث القاعدة الفقهية المشهورة ” الغُنم بالغُرم “.
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ” نهى عن ربح ما لم يُضمن ” – رواه أصحاب السُنن -.وقد وقع الإجماع من الفقهاء على مدى القرون وفي جميع المذاهب بأنه لا يجوز تحديد ربح الاستثمار في المضاربة وسائر الشركات بمبلغ مقطوع أو بنسبة من المبلغ المستثمر (رأس المال)، لأن في ذلك ضماناً للأصل وهو مخالف للأدلة الشرعية الصحيحة، ويؤدي إلى قطع المشاركة في الربح والخسارة التي هي مقتضى الشركة والمضاربة.
وهذا الإجماع ثابت مقرر إذ لم تُنقل أي مخالفة له، وفي ذلك يقول ابن قدامة في المغني (3/34): أجمع من يُحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض (المضاربة) إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة “. والإجماع دليل قائم بنفسه.وإن المجمع وهو يقرر ذلك بالإجماع يوصي المسلمين بالكسب الحلال وأن يجتنبوا الكسب الحرام طاعة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.”
تعقيب: بيان افتراء دار الإفتاء المصرية الحالية بخصوص الفوائد البنكية…! (2) | هاني حلمي
جزاكم الله خيرا
إعجابإعجاب