كيف تكون ودائع البنوك قروضاً مضمونة خالية من المخاطر؛ ومع ذلك قد يخسر المودعين أموالهم أو بعضاً منها كما حدث بلبنان!
أليس هذا دليل على أن البنوك تتاجر وأن الوديعة معرضة للمكسب والخسارة فيكون عمل البنوك من باب التجارة الحلال؟
قلتُ:
هذا الاستشكال هو حجة على من يرى أن الفوائد الربوية أرباحاً تجارية وليست حجة لهم؛ بل هذا الاستشكال يدل على أن الودائع البنكية قروضاً بلا خلاف!
ففي التجارة والبيع؛ يكون رأس المال غير مضمون؛ فالتجارة فيها مخاطرة برأس المال؛ فإن من يدفع ماله لمن يتاجر فيه يعلم أنه قد يُستهلك رأس المال في التجارة ولا يظهر الربح ويضيع رأس المال بالكامل… ولا يطالب من اتجر في ماله برد رأس ماله لعلمه أنه غير مضمون من البداية؛ وهو خاضع للمكسب والخسارة التجارية.
أما القرض؛ فهو مضمون على المُقترض؛ حتى لو هلك بالكامل أو ضاع أو خسره المُقترض؛ فهو مضمون عليه يجب رده أو رد مثله…لذلك يطالب المودعون في البنوك اللبنانية بأموالهم كاملة؛ ولا يرضون بتحمل أي خسارة لعلمهم أنها قروضاً وليست رأس مال في تجارة! وهذا واضح؛ وإلا لماذا الغضب والسُخط على الحكومة التي ضيعت ودائعهم ولم تردها؛ فإن كانت تجارة خاسرة فلا حق لهم بالمطالبة برأس المال! ولكن لعلم الجميع أنها قروضاً لم يعترض أحد على المطالبة بأصل الودائع كاملاً.
فالمطالبة بالودائع كاملة دون تقبل تحمل أي خسارة هو حجة دامغة ظاهرة على أن هذه الودائع قروضاً! رغم أنف دار الإفتاء المصرية الحالية التي لا تدري اللازم الباطل لقولها أن الودائع ليست قروضاً!
تخيلوا لو أن البنوك المصرية قالت للناس = “معذرة نحن خسرنا أموالكم وليس لكم الحق في المطالبة بها لأنها رؤوس أموال وليست قروضاً طبقاً لدار الإفتاء؛ وربنا يعوض عليكم!”
ولكن هذا لا يحدث إلا عند الإفلاس؛ لأن كل أطراف المنظومة البنكية تعلم أنها قروضاً… ما عدا دار الإفتاء المصرية الحالية؛ عناداً للحق وإضلالاً للخلق…
فأي قرض من القروض سواء كان في شكل وديعة أو سندات دين؛ فهو غير مُعرض للخسارة التجارية وهو مضمون السداد على المُقرض؛ ومع ذلك فهو مُعرض لنوع أخر من الخسارة = وهي خسارة الأصل المضمون لإفلاس المُقترض أو تعسره وعدم قدرته على السداد؛ وهي ما تسمى بالخسارة الائتمانية نظراً لحال المُقترض من العسر واليسار؛ وليست هي الخسارة الناتجة عن تقليب المال بالتجارة – فهناك فرق شاسع بينهما كما بينت.
في الاحوال العادية؛ تقوم البنوك المركزية بالاحتفاظ بوديعة ضمان هي نسبة من الودائع لدي البنوك؛ وتعطي الدولة عليها فائدة ربوية للبنوك؛ والبنوك تدفع من هذه الفائدة للمودعين.
ويوجد جزء من الودائع تقوم البنوك بإعادة إقراضه بفائدة أعلى من فائدة الودائع؛ وتقوم البنوك بالتأمين على مخاطر التعسر أو التخلف عن السداد على تلك القروض؛ فتدفع شركات التأمين في حال تخلف المُقترض عن السداد بسبب الإعسار…وبذلك تكون الودائع مضمونة…
في الحالة اللبنانية؛ الظاهر أن السياسة النقدية فيها فساد كبير أدى لضياع الأموال أو إنفاقها على الدين العام…ومع الطلب الكبير على استرداد الودائع قبل أن تدبر الحكومة المال…فحينها يظهر العجز عن السداد…ثم إعلان الإفلاس.
والخلاصة؛ فالقروض لها أولوية في السداد؛ و للمُقرض أن يطالب بماله كاملاً؛ إلا أن يتجاوز عن بعضه ويأخذ بعضه؛ من باب الصُلح على الدين… أما الخسارة التجارية؛ فليس لرب المال أن يطالب برأس ماله؛ بل أي شرط يضمن إعادة رأس المال في حال الخسارة فهو شرط ربوي يُفسد التجارة؛ لأنه يؤول إلى ضمان رأس المال فيحول رأس المال إلى قرض ربوي! فتأمل.
هاني